في عام 1986، لاحظ عالم فلك يُدعى كليفورد ستول، وكان يبلغ من العمر 36 عامًا ويعمل في مختبر لورنس بيركلي الوطني في كاليفورنيا، وجود فرق صغير جدًا في الحسابات: 75 سنتًا فقط في سجلات استخدام وقت الكمبيوتر.
بالنسبة لمعظم الناس كان هذا مجرد خطأ محاسبي بسيط يمكن تجاهله، لكن فضول ستول العلمي دفعه للتحقيق في الأمر.
على مدار عشرة أشهر كاملة، بدأ يتتبع هذا الخلل عبر أنظمة الحاسوب في المختبر. وما اكتشفه كان أكبر بكثير من مجرد خطأ حسابي: فقد كان هناك هاكر من ألمانيا الغربية قد اخترق شبكات الحاسوب الأمريكية.
لم يكن هدفه التسلية أو الفضول، بل كان يسرق معلومات عسكرية سرية ويبيعها إلى جهاز الاستخبارات السوفيتي الـKGB خلال فترة الحرب الباردة.
استخدم ستول طرقًا مبتكرة لتعقب المتسلل. ففي أحد الأمثلة الشهيرة، أنشأ ما يُعرف بـ “مصائد العسل الرقمية” (Honey Pots)، وهي ملفات وهمية مليئة بمعلومات عسكرية مغرية لكنها بلا قيمة حقيقية، ليراقب تصرفات المخترق.
وبالرغم من أن أجهزة مثل الـFBI ووكالة المخابرات المركزية لم تأخذ تحذيراته بجدية في البداية، إلا أن إصراره أثمر في النهاية: فقد ألقت السلطات الألمانية القبض على الهاكر واسمه ماركوس هِس.
تُعد هذه القضية من أوائل وأشهر حوادث التجسس الإلكتروني في التاريخ، وأظهرت مدى هشاشة أنظمة الحاسوب أمام الاختراق مع دخول العالم إلى العصر الرقمي.
لاحقًا، دوّن كليفورد ستول تجربته كاملة في كتابه الشهير “بيضة الوقواق” (The Cuckoo’s Egg) الصادر عام 1989، والذي لا يزال من أهم الكتب في مجالي الأمن السيبراني والجرائم الحقيقية.


