بعد شجار الضباط،
- وزراء يطردون من الوفد الرئاسي،
- "خوصصة" الديبلوماسية الموريتانية
- فلسفة" المتهم رقم 7 ولد اجاي باقية وتتمدد
- ومواصلة اغتيال الدولة وتلاشي المؤسسات وضياع الهيبة الرئاسية.
إنها عملية اغتيال ممنهج ونسقي للدولة، وتلاش للمؤسسات وضياع لهيبة وسلطة الرئيس تلك التي تجري أمام أعيننا ، على قدم وساق، خلال زيارة الرئيس غزواني للنعمة.
1. يبدو أن تشكيلة الوفد المرافق للرئيس لا تخضع لمنطق واضح اذ تداخلت فيها ضرورات الزيارة مع دسائس القصر وتسيير الحساسيات القبلية والشخصية: فمثلاً، تحدث الرئيس مطولا عن الطرق والبنية التحتية. ومع ذلك حرم وزير التجهيز ولد الفيرك من عضوية الوفد. وعندما حاول فرض نفسه على طريقة الفوضى التقليدية ووصل النعمة بطرقه الخاصة وجلس في المنصة أخبره مدير الديوان أنه يجب أن يغادر مقعده على المنصة وأن يغادر المدينة عصر اليوم نفسه على متن طائرة كانت جاهزة للإقلاع. وحين تعذر بضرورة المشاركة في نشاط او اثنين يخصان قطاعه ، جاءته الأوامر صارمة بعدم المبيت في النعمة. فأقفل الرجل عائدا إلى نواكشوط لماذا أقصي من الوفد ؟ لا أحد يعلم والأغلب أنها دسائس القصر، وإن كان سجل الرجل في الفساد حافلاً.
2. شيء من ذلك حصل مع وزير الزراعة الذي ظهر ضمن المستقبلين الحكوميين رغم أن اسمه ليس في الوفد الرسمي. وطلبت منه المغادرة عصر اليوم نفسه. لماذا ؟ الله أعلم.
3. ولم يفهم أحد لماذا تم استبعاد وزير الدفاع من عضوية الوفد الرئاسي في زيارة مطولة لولاية حدودية يشكل الهاجس الأمني أحد أهم رهاناتها.
4. بعد ذلك تجلت الفوضوية والإرتجال في قمتهما حين اعتدى ولد علوات على عقيد في الجيش بسبب خلاف على التنظيم ،علوات كثرت اخطاؤه ويبدو بأنه سينحى عن مرافقة ساكن القصر الرمادي وتنحسر عنه الأضواء.
5. بين المهرجانات الفولكلورية و"الاجتماعات مع الأطر"، يبدو -للأسف الشديد- أن الرغبة في مفاجأة سارة تعلن في أحد مهرجانات الحوظ الشرقي أدت إلى قرارات كارثية. فبعد فشل وزير الخارجية في حل مشكلة التجار الموريتانيين خلال زيارتين لباماكو إحداهما علنية والأخرى سرية، تقرر إرسال رئيس اتحاد أرباب العمل لعل "حججه" تكون أكثر إقناعا لضباط في مهب الريح يحتاجون أموالا لمواجهة مجهول الأيام القادمة. لم تعلن الزيارة عندنا أملا في "تسوية" تحت الطاولة. غير أن الخارجية المالية صفعتنا مرة أخرى ببيان صريح ، مضمونه "إننا حتى في مواجهة سقوط نظامنا لا نباع ولا نتراجع". طبعا لا معنى للكلام التنميقي عن الاستثمار في مالي. فليست مالي بالوجهة الاستثمارية -خصوصا الآن- ولا وزير خارجيتها هو المحاور الطبيعي لوفد من التجار. للأسف الشديد، يبدو أن لدينا مشكلا حقيقيا في سياستنا الخارجية وفي ديبلوماسيتنا جعلنا نتصرف فيهما بمنطق "الخوصصة". ولعلنا أول دولة تخصخص وظائفها السيادية. وتلك كارثة حقيقية. نأمل ألا يتم، وفق هذا المنطق، تكليف تجار آخرين بقيادة القوات الخاصة أو تدريب وحدات المشاة. فلم يبق لهم غير ذلك.
6. تعبئة كافكائية وتجاوب استسلامي للرئيس هي أهم سمات الاستقبالات. القبائل تساق كالقطيع وتحشر ، وأطر ووزراء يحضرون وينظمون ويتحدثون باسم القبيلة وينفقون مليارات أخذت طبعا من ميزانياتنا إذ لا مصدر لهم غيرها. والخطاب الصريح الذي لم يعد أحد يخجل منه هو أنها كعكة يجري تقاسمها بفوضوية و"ويل أمك بلوراني". بدت مشاهد مئات البجوان يدخلون المدينة بطريقة فوضوية تذكر أكثر بعصابات الجنجويد منها بتراث سباق الإبل. وبدت المواكب والوفود في شعاراتها وتنافسها أقرب إلى جو "الحصرات" في ظل المستعمر منها إلى حالة شعب يواجه تحديات ويستقبل رئيسا للتغلب عليها. بل أصبح صعبا أن نفهم ما إذا كان الرئيس منتخبا لخدمتنا أم نحن الخدم، وهل جاء للاستماع إلى مشاكل الناس أم لغسيل أذنيه بآيات المديح والإطراء.
7. تلاشي الدولة وقيم المواطنة ووجود المؤسسات بدأ جليا في انتشار "فلسفة" ولد اجاي التي تلخصها عبارته الشهيرة "عزيز أهم من الماء والكهرباء ومن المدارس والمستشفيات". حيث وقف أحد مواطنينا ليقول باقتناع وصدق محبطين "إن تعيين ولد الطالب أعمر أهم عندنا من الماء والكهرباء". ولكن هذا المواطن البريء لم يقدم إلا طلبا منسجما مع مايراه يوميا: إن الدولة ومواردها ومؤسساتها ليست أكثر من كعكة أو بعبارة الخليل ولد الطيب "هي مشارية".
8. وبدا عبثيا أن يتحدث الرئيس عن محاربة القبلية في زيارة تمثل القبلية سمتها الأبرز ومحركها الرئيس. ولأن أهلنا هناك ارتبكوا من "هذا الكلام غير المفهوم" بادر حزب إنصاف إلى تكذيب الرئيس والقول إنه ليس ضد القبلية.
* الرئيس أخذ إلى منشآت وهمية كمزرعة النعمة ولم يخطر بباله ولا ببال أي من مستشاريه أن أهل الحوظ يسألون ويتساءلون: أين هو مصنع التنمية الحيوانيّة المحلية؟ أين تنفيذ قرارات ومشاريع مهرجان تمبدغه للتنمية ؟ والطاولة المستديرة لتنمية الحوض الشرقي؟ ويقر الرئيس أمامهم بأن خصوصيين استلموا مخصصات طريق أمرج ولم ينجزوها لسنوات وسنوات..تسحب منهم هذه الطريق وبالمقابل يبقون على صفقات طرق أخرى في نفس الولاية!
* لم يخطر ببال الرئيس ولا ببال أي من مستشاريه أن أهل النعمة يريدون أجوبة لأسئلة ملحة: ما البديل بعد أشهر قليلة في ظل إغلاق الحدود المالية في وجه المواشي؟ وأين حل مشكل أبنائنا المعتقلين في باماكو؟ ومحلاتهم التي وعد وزير الخارجية مرزوك قبل شهرين بحلها"في ثلاثة أيام" . ومن ذا يؤمننا ليس على الأراضي المالية وإنما في مدننا وقرانا على الأراضي الموريتانية التي نطرد منها تباعا ؟
* وكأن القدر قرر تحويل المأساة إلى عبث، في الوقت الذي كان فيه الرئيس يطمئن سكان النعمة على قدرة الدولة على حمايتهم، كان الماليون يختطفون مواطنا موريتانيا من الحدود ، بالذات من بلدة بدر السلام دون أن يستحق الأمر حتى خبرا على هامش المواقع الإخبارية. ولعل القصة كلها مختصرة في عبارة المدون الصديق الحسين حماه الله في بثه المؤثر مساء أمس "السيد الرئيس اتق الله في هذا الشعب! الوطن منكوب! منكوب! وطننا منكوب".
بقلم الداه يعقوب عبدالله



