في قاموس العلاقات الدولية، لا توجد علاقة تُشبه علاقة موريتانيا بالصحراء الغربية.
إنها علاقةٌ ليست حربًا، وليست سلمًا… ليست حيادًا، وليست انحيازًا.وليس حياد ايجابي ولا سلبي
هي تلك المسافة المغلقة الضبابية
“بيننا وبين موريتانيا الرسمية خيطٌ مشدود… إن شددناه انقطع، وإن أرخيناه التفّ حول أعناقنا.”
الصحراء الغربية ليست جارةً جغرافية فقط.ولا حدود موروثة عن الاستعمار .
إنها مرآة الهوية، وعبء سياسة،ونسيج اجتماعي وامتحان توازن لا ينتهي.
. تاريخ يرفض أن يُطوى
حين سقط الاستعمار الإسباني، وجدت موريتانيا نفسها أمام سؤالٍ وجودي:
هل تنسحب من ملف الصحراء الغربية ؟
هل تعترف بها كدولة؟
هل تدخل حربًا ليست حربها؟
دخلت 1975 كطرف،
وخرجت 1979 كجريح سياسي يبحث عن خلاص.دون تقديم اعتذار
وخسرت في تلك السنوات أكثر مما ربحت:
خسرت الجنود، والاقتصاد، واستقرار الحكم، ووجدت نفسها “محاصرة بالتحالفات”.
“لقد اكتشفنا أن الرمل قد يتحوّل إلى سياسة، وأن السياسة قد تتحوّل إلى قبر.وفي السياسة قد يكون القبر في الرمل”
موريتانيا، بكل امتدادها وسعتها، تقف بين قوتين كبيرتين: المغرب والجزائر.
أي خطوة غير محسوبة تُفسَّر على أنها اصطفافٌ ضد الآخر.
– إن مالت إلى المغرب، قالوا إنها خرجت من الحياد.ونحن الصحراويين نقرا الحياد انه اصطفاف لاننا اصحاب حق
– وإن مالت إلى الجزائر، قالوا إنها تنازلت عن توازنها الاقليمي
– وإن بقيت محايدة، اتهمها الطرفان بـ“الغموض”.
هكذا أصبح الحياد نفسه موقفًا سياسيًا مُرهقًا،بل اكثر غموض بالنسبة للصحراويين منذ 2020 اعلان الحبهة الشعبية عودة الكفاح المسلح وانهاء مرحلة الانتظار والمنافذ النفعية لاي كان .
والصمت نفسه تصريحًا ولن يعود مقبولا .
الصحراء الغربية ليست “أزمة حدود”.
هي أزمة هوية تمتدّ عبر القبائل، واللهجات، والأنساب، والعادات.
أغلب قبائل شمال موريتانيا تمتد جذورها داخل الصحراء الغربية ( نسيج اجتماعي)
وأغلب الصحراويين لهم امتداد بشري داخل موريتانيا.
لذلك يخاف صانع القرار في نواكشوط من أي اضطراب هناك…
لأن الصدى غالبًا ما يعود إلى الداخل.
الدواعي الأمنية: الخوف الكبير
لا يمكن لموريتانيا أن تغفل عن تهديدين رئيسيين يمرّان عبر الصحراء الغربية
1. الجماعات المسلحة في خطوط العراء.وتمولها الرباط.
2. شبكات التهريب التي تمر جدار الذل والعار وتحت حراسة كبار جنرالات المخزن.
ولهذا فإن أي تحول في الصحراء الغربية حرب، تسوية، توتر، أو فراغ
يُعيد رسم أمن موريتانيا بالكامل.
فالحدود هنا ليست خطوطًا سياسية،
بل ممرّات رياح تحمل كل شيء معها… إلا الاستقرار.
كما ان المخزن استعمل ويستعمل المعبر الحدودي الكركرات في كل الانشطة ( المخدرات...التجسس وغيره)
موقف موريتانيا اليوم: حيادٌ سلبي لم يعد ايجابي لانه وبكل بساطة يقف الى جانب المخزن وهم يقرأونا ذالك انهم على مسافة واحدة من كل طرف لكن الوقائع الرسمية تعكس ذالك تماما.
قصة قصيرة من الميدان
ذات مرة كان ضابط على نقطة مراقبة قرب تندوف يستقبل قافلة
سأله أحد الصحراويين: “أنتم مع من؟”
ابتسم الضابط وقال:
“مع الطريق.”
ضحك الجميع، لكن العبارة كانت مرآة الواقع:
موريتانيا مع الطريق…
ويبقي الطريق مجهول المعالم وضباب سيده في الصباح والمساء.
ملف الصحراء الغربية امتحانٌ لنضج الدولة الموريتانية ومدى تطور استراتيجيتها الدبلوماسية
تكسب فيه إن انتصرت،
ولا تخسر فقط إن انهزمت،
وقال احدهم
“الصحراء الغربية ليست مشكلتنا… لكنها ليست منفصلة عنّا.
علينا أن نكون حكماء الرمل، لا أسرى الريح في طريق مجهول .”
بين موريتانيا والصحراء الغربية خيطٌ لا يُقطع،
وأفقٌ لا يُغلق،
وتاريخٌ لا يهدأ.
ونسيج اجتماعي
إنها علاقة “ الرمل والريح "
بقلم : امبارك البشير بنان


