في سجن ولاته.. ماذا دار بين هيداله والمختار؟
----------------------------------------
جرى أول لقاء بيني وبين عضو من القيادة العسكرية الجديدة في البلاد يوم 13 أغسطس 1978، ويتعلق الأمر بالمقدم محمد خونه ولد هيداله رئيس الأركان الجديد. وقد بدا مهذباً للغاية، خجولا أو مُرهَباً. وكان برفقته النقيب محمد فال. وبعد تبادل التحية المألوفة، صرّح لي بما معناه: «لقد جئتُ مبعوثاً من لدن اللجنة العسكرية ومن قبل رئيسها العقيد المصطفى للسلام عليكم ولتطلعوني على ظروف مقامكم، ولأطرح عليكم جملة من الأسئلة تتعلق ببعض المشكلات». ثم أشار خفيةً إلى مرافقه بالانصراف. وعندما بقينا على انفراد، طلبَ مني باسم رئيسه توضيحات حول بعض الملفات المالية المتعلقة بطلبات قروض قُدمت إلى الحكومات المغربية والعراقية والسعودية. وقد بينتُ له حالةَ تلك الملفات كما كانت في بداية يوليو. وسيخبرني لاحقاً، دون أن أسأله، عن هذه الملفات إبان عودته إليَّ في فاتح سبتمبر رفقة أستاذي وصديقى المحامي بواسيى- باليه Boissier-Palun الذي كان أول مَدَني يَزورني.. فقد وصل صحبة المقدم (هيدالة) في طائرة صغيرة إلى النعمة وتجشمَا عناء السفر منها إلى ولاته، وهو سفر يعد امتحاناً صعباً بسبب تهاطل الأمطار حيث تعثرت سيارة لاندروفير عدة ساعات في الوحل.
وكان بواسيى- باليه يزور نواكشوط بانتظام بوصفه محامياً للشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) حيث كنتُ ألقاه باستمرار. وقد تناولنا العشاء معاً في نهاية يونيو أو بداية يوليو 1978. وبفضل تلك العلاقات حصل على ما كان يعتبر حينئذ امتيازاً وهو السماح له بزيارتي.
وقد أجريتُ محادثاتٍ مطولةً مع ولد هيداله على هامش زيارته رفقة بواسى-باليه في فاتح سبتمبر 1978، وأطلعني على أن المغرب والسعودية دفعتا للنظام العسكري الجديد جزءاً من القروض التي سبق وأن تعهدتا لي بها قبل العاشر من يوليو. أما بالنسبة لموضوع الصحراء، فكانت المعلومات التي قدمها أكثر عموميةً. وأثرتُ من جهتي موضوع إطلاق سراحي، وأعربتُ عن أملى أن لا تدوم فترة اعتقالي طويلا. وفي السياق نفسه تطرقت إلى أنني أنوي الانتقال مع أسرتي إلى تونس للإقامة بها بعد الإفراج عني. وقد أكد في إجابته، التي اتسمت بعدم الارتياح، أن حالتي تشغل اللجنة العسكرية، لكنه غير مخول للتحدث باسمها، إلا أنه سينقل بأمانة ما دار بيننا إلى رئيس اللجنة. وأضاف أنه يأمل شخصياً أن لا أبقى مدة طويلة في ولاتة.
وبعد صمت محرج، خاطبني بأن لديه رأياً نابعاً من تفكيره الشخصي يود إطلاعي عليه، وقد يتطرق إليه مع العقيد المصطفى. وبعد موافقتي تابع حديثه، والارتباك باد عليه، قائلا: «إنكم تتمتعون بتجربة كبيرة وصيتٍ عالمي يحتاج إليهما البلد، أفلا يمكن إيجاد صيغة تسمح باستفادة النظام الجديد والبلد كله من هذه الخصال؟ قد يكون التعبير خانني، لكن هذا ما أردتُ الإعراب عنه تقريباً».
فأجبته على الفور: «إنكم تريدون باختصار أن أصبح مستشاركم بعد أن طردتموني من السلطة؟ إن حبي للشعب الموريتاني ولمصلحته يجعلني أتمنى النجاحَ لمن أطاحوا بي، نظراً لأن هذا الشعب سيستفيد من نجاحهم بقدر ما سيعاني من فشلهم. إلا أنني على أية حال لا أستطيع قبول اقتراحكم…». وعندما لاحظتُ مدى الإحراج الذي انتاب مستمعي، صرفتُ الحديثَ إلى موضوع آخر.
المختار ولد داداه / «موريتانيا على درب التحديات»


