في زيارة جديدة للرئيس إلى مدينة نواذيبو، تُرفَع اللافتات، وتُطلَق الوعود، وتُعدّ المراسيم لتدشين مشاريع “واعدة” على الورق، مكررة في مضمونها، مشكوك في أثرها، ومجردة من أي مصداقية لدى المواطن البسيط، الذي ما عاد يلتفت لعدسات الكاميرات، ولا يُنصت للخطابات المنمقة، بعدما ذاق مرارة الوعود الكاذبة، وعاش خيبة الإنجازات المؤجلة.
فمن بين ما سيُعلن عنه هذه المرة: مشروع “تزويد المدينة بالماء”، وكأن الذاكرة قصيرة إلى درجة أننا نسينا أنه لم تمر سنة واحدة على تدشين مصنع لتحلية المياه بطاقة إنتاجية قيل إنها تصل إلى 5000 متر مكعب يوميًا. فأين ذهب هذا الماء؟ لا أحياء نواذيبو العطشى ارتوت، ولا صنابير الساكنة شهدت تحسّنا، بينما يستفحل العطش وتُدار خدمة الماء بعقلية المضاربة، وكأننا أمام سلعة في بورصة لا أمام حق من حقوق الحياة.
وفي هذا السياق، لا يمكن إنكار أن تدخل البلدية في مواجهة أزمة العطش، ولو ضمن إمكاناتها المحدودة، شكّل استثناءً مشرّفًا وخفّف من وقع الكارثة. ولولا ذلك التدخل لكانت المدينة أمام مأساة إنسانية حقيقية. لكن الجهد البلدي لا يُغني عن فشل سياسات الدولة، ولا يغطي على عجز من يمتلكون السلطة والقرار والموارد.
أما عن “مصنع السردين” الذي يُبشَّر به، فلا يسعنا إلا التذكير أن زيارته كانت مرتقبة في محطات سابقة، وتم تأجيلها مرارًا، إلى أن جاء الوزير الأول آنذاك ليقصّ الشريط ويدشّن مشروعًا لم تُرَ له حتى اليوم علبة سردين واحدة في السوق. يومها أيضًا تم الإعلان عن “شركة خصوصية لصناعة السفن”، ونبهنا منذ اللحظة الأولى إلى أنها وُجدت لتقضي على الشركة الوطنية الموريتانية لصناعة السفن، وهو ما تم بالفعل، فتم تسريح أكثر من 110 عاملا، وتحولت الشركة الوطنية إلى جثة اقتصادية هامدة، في مأساة لم تُحاسَب عليها جهة ولا مسؤول.
أما التوسعة الجديدة لميناء نواذيبو، التي يُروّج لها كفتح اقتصادي، فهي إعادة إنتاج لخيبة سابقة في عهد سلفكم، حيث تم تنفيذ توسعة لم ترسُ عليها سفينة واحدة، وتحولت إلى نموذج صارخ لتبديد المال العام، وسوء التخطيط، وغياب المحاسبة.
فأي تدشينات هذه التي تُقام في مدينة تغرق في العطش، وتعيش على وقع انقطاعات الكهرباء، وتكتوي بأسعار متوحشة لا رقيب لها ولا سقف؟ عن أي تنمية تتحدثون ونحن نشهد انهيار الخدمات الصحية، وتهالك التعليم، وارتفاع نسب البطالة، وانعدام أي أفق اقتصادي واعد؟
أتحدّى أن يخرج أي مسؤول، أيًّا كان، ليضع يده على قطاع حيوي واحد عرف تحسّنا حقيقيًّا، أو شهد إنجازًا ملموسًا في حياة الناس.
إن ما نعيشه ليس تدشينات، بل مواسم إعلامية موسمية لتمويه واقع مزرٍ، وذر الرماد في العيون. أما الحقيقة فهي أن المواطن في نواذيبو، كما في باقي مدن الداخل، ما عاد يصدق خطابات التزويق، وما عاد ينتظر شيئًا من زيارات لا تأتي إلا بالمزيد من الخيبة.
الشيخ الكبير بوسيف
عمدة مساعد
الزين الإخبارية


