هل يقلد الرئيس غزواني معاوية ولد سيد أحمد الطايع؟

هل يقلّد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني معاوية ولد الطايع؟

ليل انواكشوط له طقوسه الخاصة. في التسعينات، حين كان معاوية ولد الطايع يمسك بالخيوط كلها، كان القصر الرئاسي يتحول بعد الغروب إلى مسرح صامت. سيارات مظللة تدخل وتخرج، وجوه وزراء تُستدعى على عجل: الشيخ العافية ولد محمد خونه، اصغير ولد امبارك، سيدي محمد ولد بوبكر… يدخلون على الرئيس دقائق، يخرجون بملامح جامدة، والمدينة تستيقظ في الصباح على تعديل وزاري أو إقالة مباغتة. لم يكن أحد يعرف ماذا قيل، ولا كيف طُبخت القرارات، لكن الجميع كان يعرف أن الصمت في القصر يسبق دائمًا العاصفة.
محمد يحظيه كتب يومًا: “الرؤساء في موريتانيا لا يغيّرون وزراءهم في الجرائد، بل في الصمت الموحش للقصر.” وكان محقًا؛ فالتاريخ السياسي للبلاد لم يُكتب في محاضر الجلسات، بل في الوجوه المتجهمة على بوابات القصر.

اليوم، بعد أكثر من عقدين، يتكرر المشهد بصيغة أخرى. المختار ولد اجاي يُستدعى ثلاث مرات إلى القصر الرئاسي خلال أسابيع. لا أحد يعلن جدول الأعمال، ولا أحد يصرّح بمضمون اللقاء، لكن التوقيت ليس بريئًا: عشية اجتماع مجلس الوزراء، تمامًا كما كان يفعل معاوية. الوجوه نفسها، الأسلوب نفسه، والانتظار نفسه. وكأن السياسة الموريتانية لم تتغير كثيرًا؛ ما تزال تُدار في الغرف المغلقة لا في الساحات المفتوحة.

الفارق أن محمد ولد الشيخ الغزواني لا يهوى المفاجآت الصاخبة. الطايع كان يحكم بالقبضة الأمنية، يغير الوزراء كما يغير الضباط، ويستخدم المفاجأة كأداة لترسيخ الهيبة. أما غزواني، فيبدو أقرب إلى الضابط الهادئ الذي يفضل التدرج، المساومة، توزيع الأدوار، لكنه لا يتخلى عن التقاليد القديمة: استدعاء خاص قبل اجتماع عام، لقاء قصير يسبق قرار طويل، وكأن الظلال تحكم قبل أن يخرج الضوء إلى العلن.

السؤال إذن ليس هل يقلّد غزواني ولد  الطائع، بل هل تغيّرت المؤسسة الحاكمة أصلًا؟ في موريتانيا، قد تتبدل الوجوه والابتسامات، لكن أسلوب السلطة يظل ثابتًا: الرئيس هو المركز، والبقية ظلال تتحرك حوله بقدر ما يسمح به القصر.

 

روى أحد مرافقي الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع لصفحة صالون انواكشوط أن الرجل كان يترك دائمًا مقعدًا فارغًا إلى جانبه في الطائرة، يختار له في كل رحلة أحد أفراد طاقمه ليحادثه وهو في الجو. لم تكن تلك الأحاديث مجرد دردشة بروتوكولية؛ ففي أحيان كثيرة تحولت إلى لحظات فاصلة: قرار بتغيير وزير، إقرار لائحة جديدة، أو مراجعة تعيين حساس. القرارات الكبرى عند الطايع لم تكن تنتظر الهبوط على مدرج نواكشوط، بل كانت تُتخذ والطائرة تحلّق في السماء، وكأن القصر الرئاسي يمتد بأجنحته إلى الأجواء.

الفرق أن الطايع كان يمارس سلطته بصرامة علنية حتى وهو معلق بين الغيوم…

في صورة معاوية ولد الطايع مع وزيره الأول، الليل مسرح الصمت،اليد رسمية بلا دفء، خطوة الرئيس متقدمة، والوزير يتلقى اليد كمنفذ لا كشريك، فيما عين ثالث تراقب من الخلف لتقول إن السلطة كلها مراقبة ومحسوبة.

في صورة محمد ولد الشيخ الغزواني مع المختار ولد اجاي، المشهد داخل قاعة مغلقة، اليد صلبة وموجهة للعدسة، الرئيس جامد الملامح والوزير يحاول بكسر الجدية بابتسامة عابرة، فيظهر التوازن: برود وهيبة من الأعلى، وابتسامة شكلية من الأسفل.

الفرق بين الرجلين أن الطايع كان يعلن سلطته بصرامة علنية، بينما غزواني يغلفها ببرود هادئ، لكن الجوهر واحد: الوزير الأول ظلٌّ للرئيس،اليد رسالة بروتوكولية، لا عهد شراكة.

الوريث – محمد يحظيه

#صالون_انواكشوط