الحرب الكبرى بدأت..!

من العبث والضحك على الأذقان، أن يظن بعض الناس أن الحرب على غزة قد انتهت، وأن الإعلان عن وقف إطلاق النار، هو التزامٌ من العدو، بأن ينتهي حين أنهت المقاومة ضرباتها.

المتابع لبعض القنوات، ومنها “العربية” التي يبدو أنها قلبت حرفيها فسبقت الراء الباء، يعرف أن الحرب الكبرى قد بدأت ولن تنتهي حتى تسمّم كل النيات الحسنة في المقاومة، فتلصق خُبث المرتزقة والمتصهينين بالأشراف.

تعوّد الكيان المعتدي منذ نكبة 1948 أن يشنّ الحروب، ثم يستريح عسكريًّا، ليبدأ حملاته الدعائية، ولكنه هذه المرة وجد نفسه مدعوما من كيانات إعلامية، باشرت وباجتهاد مشهود لها، وخبث كبير، النيل من المقاومة وإلصاق كل جريمة قتل أو شبهة فساد أو سرقة أو احتيال تحدث في غزة الجريحة، برجال المقاومة، في عملية تشويه كبرى لأجل إثارة الفلسطينيين على الفلسطينيين.

لم يصحب الإعلان عن وقف إطلاق النار، أفراح فلسطينية، ليس لأن الخَطبَ كان جللا، خلال السنتين الأخيرتين، وإنما لإدراك أهل فلسطين أن المؤامرة الكبرى، قد بدأ نسجها على مقاس الكيان الصهيوني، الذي يريد إبادة المقاومة والعِرق الفلسطيني بكل ما أوتي من خبث وحقد.

لقد كان وقع “طوفان الأقصى” مؤلما جدا على الكيان وبقية الكيانات، التي أدركت أن سقوط كبيرها، سيعني سقوطها، فبذل ومعه بقية الكيانات المال والسلاح لمدة سنتين من أجل إبادة كل ما هو فلسطيني بما في ذلك الحجارة والأوكسجين، بعد أن تشوّهت صورة الصهاينة في العالم، فصار لها أعداء في إسبانيا والنرويج وإيرلندا وكولومبيا وفيتنام… والرضوخ لوقف إطلاق النار ليس استراحة محارب قذر، إنما للانطلاق في أقذر الحروب، التي أسّس لها منذ سبع وسبعين سنة، عبر غرس الفتنة بين الأمة الواحدة، بعد أن نجح في إحياء المذاهب والنزعات الطائفية والأعراق، فدمّر العراق وسوريا ولبنان ويريد تدمير فلسطين، ويبقى يتلذذ عن بُعد.

يقول بن غوريون: إن الحرب توحِّد أعداءك والسِّلم يذكّرهم باختلافاتهم، وهو المنطق الصهيوني، الذي كانت لا تزيد حروبه عن بضعة أيام حتى لا تكون مجازره فرصة لوحدة الشعب العربي أو الإسلامي، ولكنه هذه المرة وجد نفسه مجبرا على أن يعيش جزءا من وجوده، في حرب أمام حركة وليس دولة أو دول كما كانت الحال سابقا، وكلما قتل، أحيى أحقادا عليه، حتى صار أقرب الناس إليه يبتعدون عنه، فزعم وقف إطلاق النار، لينتقل إلى ما تفوَّق فيه على كل بلاد العالم، بالتجسس وزرع الفتن وجعل الإشاعة سلاحه النووي الذي لا يُبقي ولا يذر.

ما يُطَمْئِن، أن الفلسطينيين يعلمون حقيقة العدو، بعد أن أكلوا لعقود من خبزه الأسود، وما تبثّه القنوات قد يصدِّقه بعض الناس لبعض الوقت، ولكن هيهات من الفلسطينيين منهم الفتنة.

الشروق