خطة ترامب للصحراء الغربية: سلامٌ أم تفجيرٌ للملف؟
بقلم : عبد الله ولد بونا/خبير استراتيجي
26اكتوبر 2025
عودة الإمبريالية بثوب تشريعي
حين وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في نسخته الأولى من الرئاسة، على إعلانٍ يعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، بدا وكأنه يمارس فعلًا سياسيًا عابرًا في لحظة انتخابية حساسة. لكنّ العودة إلى رئاسته الثانية في ظلّ تحولات النظام الدولي تجعلنا أمام محاولة متجددة لتكريس نمطٍ أمريكي امبريالي محدث، يُعيد إنتاج أدوات الاحتلال عبر المسار التشريعي والدبلوماسي بدل القوة العسكرية المباشرة.
فالمقترح الأمريكي الجديد بخصوص الصحراء الغربية، المقدم في مسودة عبر مجلس الأمن تحت شعار "السلام الواقعي"، لا يختلف في جوهره عن نهج واشنطن في ملفات فلسطين، وكوسوفو، والجولان. إنه مشروع لتقنين الاحتلال لا لإنهائه، ولتفجير مسار التسوية بدل الوصول إلى حل عادل منسجم مع المرجعية الأممية .
الأبعاد الجيوسياسية للمقترح الأمريكي
هذا المقترح يأتي في لحظة تتقاطع فيها ثلاثة مستويات من الصراع:
على المستوى الدولي
تحاول الولايات المتحدة إعادة الإمساك بخيوط النفوذ في شمال وغرب إفريقيا بعد تراجعها في الساحل أمام روسيا والصين وتركيا، مع انحسار متسارع للنفوذ الفرنسي في إفريقيا.
ولا بعتبر دعمها للمغرب ليس موقفًا مبدئيًا، بل تكتيكًا احتوائيًا لإعادة التوازن في المنطقة لصالحها عبر وكيل محلّي مستعدّ للتبعية.
على المستوى الإقليمي:
تدرك واسنطن أنّ الجزائر صاعدة بثقة كقوة إقليمية ذات حضور سيادي في إفريقيا والعالم العربي.
لذا يأتي المقترح الأمريكي محاولة لإرباك الجزائر، وجرّها إلى مواجهة سياسية ممتدة، تشغلها عن مشاريعها التنموية والتحالفية في الساحل، والنيجر، وموريتانيا، وليبيا.
وتضغط عليها عبر الورقة الصحراوية المهمة استراتيجيا للأمن القومي الجزائري.
ويعد ذلك تطورا نوعيا للقضية الصحراوية ، إذ أصبحت تحتل مساحة مؤثرة على طاولة أهم بطاقات اللعب دوليا وإقليميا وقاريا.
وعلى المستوى المغربي الداخلي
يمنح المقترح الرباط مظهر “النصر الدبلوماسي”، لكنه في الجوهر يفتح عليها أخطر أزمة وجودية منذ عهد الحسن الثاني، إذ يجعل من الصحراء الغربية عبئًا استراتيجيًا وماليًا وأمنيًا، بعد أن حوّلتها الملكية إلى ركيزة شرعيتها، مع ما واكب ذلك من هزائم للرباط.
التكتيك الأمريكي في تشريع الاحتلال
النهج الأمريكي في الملف الصحراوي هو تكرار ممنهج لنموذج قديم.
ففي الجزائر إبّان الاستعمار الفرنسي، حاول البرلمان الفرنسي عبر تشريعات متسارعة فرض "الجزائر الفرنسية" قانونيًا بعد أن عجز ميدانيًا.
وفي فلسطين، استخدم الكنيست سياسة "قوننة" الاستيطان كبديل عن الحسم العسكري أمام مقاومة متصاعدة.
وجاءت خطة ترامب لسلام غزة الملغوم ، بعد تغير سريع للسقف الذي وضعه ترامب ونتنباهو لإنهاء الحرب ، من مشروع تهجير سكان غزة عنوة وضم الضفة الغربية والاستئصال الكامل لحماس والمقاومة إلى سقف أدنى ، وإدارة للحرب مع مجموعات دولية ، بطريقة لم تتبلور بعد.
وكأن خطة ترامب في غزة لفقت على عجل لإنقاذ " اسرائيل " من ورطة غزة وفلسطبن عموما.
نفس الهدف تقريبا في محاولة إنقاذ الملك والمخزن من ورطة الصحراء الغربية ، فالمشترك ببن الملك محمد السادس ونتياهو يتسع ، في ضعف قبضة السلطة داخليا ، وجسامة التحديات الخارجية ، والعزلة الدولبة ، والتشابه في طرق إدارة الأراضي المحتلة في فلسطين والصحراء الغرببة ، قمع ووحشية واختفاء قسري ومصادرة أراضي وتنكر للقرارات الدولية.
و يمارس الكونغرس الأمريكي ومجلس الأمن، بتوجيه من البيت الأبيض، ذات الآلية؛ تحويل الهزيمة السياسية إلى "شرعية تشريعية على الورق".
إنها صيغة استعمار ما بعد الحداثة:
احتلال بالقوانين لا بالدبابات، وهيمنة عبر النصوص لا عبر النيران.
انحراف أمريكا عن النسق الأممي
تحت غطاء “حلّ النزاعات”، تعمل واشنطن على تفكيك النظام الأممي الذي أسسته بنفسها.
غهي لم تعد تؤمن بمرجعية الأمم المتحدة كضابط مشترك بين الدول، بل باتت تتعامل مع القانون الدولي كأداةٍ ظرفية، تُستخدم حين تخدم مصالحها وتُهمل حين تُقيّدها.
فما يحدث في الصحراء الغربية اليوم هو انقلاب صريح على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (1975)، وخرق متواصل لقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وازدراء واضح لأحكام المحاكم الأوروبية التي تعتبر الصحراء "إقليماً منفصلاً لا يحق للمغرب التصرف في موارده".
وبذلك، تصبح السياسة الأمريكية خارج النسق الأممي الناظم، وتدخل في مرحلة الهيمنة عبر الفوضى القانونية — أي ما يمكن تسميته الاستعمار التشريعي المعولم.
تداعيات المقترح على النظام المغربي
ما يغيب عن القراءة السطحية للمشهد هو أن المقترح الأمريكي، وإن بدا دعماً للملكية، فإنه يُعمّق أزمتها البنيوية:
اقتصادياً، ينهك المغرب بمصاريف تسلّح ضخمة وتمويل مشاريع رمزية في الصحراء، لا مردود تنموي لها.
سياسياً، يفقد النظام قدرته على المناورة بين الداخل والخارج، بعد أن جعل من قضية الصحراء رهان وجودٍ للعرش نفسه.
اجتماعياً، تتزايد النقمة في الشمال والوسط والغرب والجنوب والشرق المغربي ، حيث تشعر فئات واسعة أن ثروات البلاد تُنزف باسم “الوحدة الترابية”.
أمنياً، تتنامى هشاشة الجبهة الداخلية أمام احتمالات انفجار اجتماعي أو اهتزاز في بنية الولاءات داخل الأجهزة.
إقليمياً، يضع المقترح الأمريكي المغرب في مواجهة غير متكافئة مع محور الجزائر-موريتانيا-النيجر الجديد، الذي يتحرك وفق منطق السيادة والتكامل لا التبعية.
ملكية على رمالٍ متحركة
إن المقترح الأمريكي ليس مشروع سلام، بل محرّك تفجيرٍ مؤجل، لأنه يضرب الأساس القانوني لكل تسوية عادلة، ويحول النزاع إلى مواجهة مفتوحة بين منطق الشرعية ومنطق القوة.
والمفارقة أن النظام المغربي، الذي حاول توظيف الملف لتثبيت العرش، جعل من العرش رهينة للملف.
فالملكية التي توسّعت جغرافياً إلى الصحراء، تنكمش شرعياً في الداخل، وتفقد تدريجياً توازنها بين الشرعية التاريخية والشرعية السياسية.
إنها ملكية على رمال متحركة:
تغرق كلما حاولت تثبيت نفسها على أرضٍ ليست لها.
الضغط على الجزائر لن يحقق الهدف في إخضاعها لواشنطن وتلاببب ، وسيأتي بنتبجة عكسية أخطر
والبوليساريو تمتلك من وسائل القوة ما يرغم الرباط على حل سلمي عادل .
وإذا كانت حماس تحت حصار دام 24سنة ، نجحت في مساحة ضيقة صغيرة محشورة بين "اسرائيل" وأنظمة مطبعة ، نجحت في تحقيق الصدمة الاستراتبجية لتلابببب وواسنطن والعالم ، وأسقطت كل استرا تيجيات الرهان على القوة ، فإن البوليساريو بما تمتلك من مساحات شاسعة للمناورة ، وتأمبن خطوط إمداد لحرب غير متناظرة ذكية ، تستطبع إغلاق المغرب وجره لحرب استنزاف غير تقليدية عبر جبهات مفتوحة داخله وحوله من كل جهة.
القضية الصحراوية عصية على التصفية بكل تأكيد


