الرحلة المفقودة.. كيف اختفى الموريتاني رشيد مصطفى؟

الرحلة المفقودة: كيف اختفى رشيد ولد المصطفى بين بوانت نوار ولواندا؟

لواندا، مايو 2010.

في مساءٍ هادئ على ساحل بوانت نوار بالكونغو، أقلعت طائرة صغيرة من طراز King Air 200 متجهة إلى لواندا. على متنها رجل الأعمال الموريتاني رشيد ولد المصطفى وطاقمان أنغوليان. بعد خمسٍ وأربعين دقيقة من الإقلاع، اختفى كل شيء: الإشارة، الاتصال، الطائرة، والرجل.

رجل بين السياسة والمال

لم يكن رشيد شخصية عادية. رجل أعمال بنى إمبراطوريته في غرب إفريقيا، ورئيس حزبٍ موريتاني ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2007، عُرف بمواقفه الجريئة ضد الانقلابات وبعلاقاته الممتدة بين دبي ولواندا ونواكشوط.

في أنغولا، كان يملك استثمارات في الخدمات اللوجستية والطيران والنفط، ويتعامل مع شركات كبرى ودوائر نافذة في الاقتصاد المحلي.

لكن قبل اختفائه بأشهر، بدأ يفكر في نقل أمواله وأعماله إلى دبي، خطوةٌ فُسّرت على أنها “خروج من دائرة السيطرة”.

الرحلة الأخيرة

في يوم 21 مايو 2010، حجز رشيد مقعده في طائرة تابعة لشركة Chicoil الأنغولية. كان يفترض أن تقلع صباحًا، لكنها تأخرت حتى الليل. عند الساعة 23:15 اتصل رشيد بحراسه في مطار لواندا ليبلغهم بموعد وصوله. بعد دقائق، انقطع الاتصال.

الطائرة لم تصل.

ولم يصدر أي نداء استغاثة.

ولم يُعثر على حطام في البحر أو البر.

منذ تلك اللحظة، بدأت الأسئلة تطغى على الإجابات.

اتهامات إقليمية في الأيام الأولى

عندما اختفى رشيد في مايو 2010، بدأت وسائل إعلام موريتانية وأفريقية بنشر فرضيات متفرقة تشير إلى أن اختفائه لم يكن مجرد حادث طيران عادي، بل قد يكون مرتبطًا بعمل أمني أو استخباراتي أو سياسي. من بين هذه الاتهامات:

 • أن اختفاءه قد يكون نتيجة تصفية مخابراتية، نظراً لمواقفه السياسية المعلنة في موريتانيا ضد الانقلاب، ودوره كرئيس لحزب سياسي.

 • أن هناك أطرافاً إقليمية وصلت إلى حدّ الشك بأن الرجل كان يُعدُّ لإطلاق مشروع إعلامي أو سياسي يعاكس مصالح بعض الدول المجاورة.

 • أن العلاقة التي كانت تربطه بدول غرب إفريقيا وأنغولا قد جعلته عرضة لصراعات نفوذ، وذهب البعض إلى أن دولة مثل الصحراء الغربية أو طرفاً يدعمها دخلت في السياق عبر الاتهام بأن المغرب ـ مثلاً ـ كان متهماً ضمنياً.

هذه الروايات أخذت زخماً إعلامياً في البداية، وخصوصًا في الصحافة الموريتانية والأخبار الشفهية داخل الأوساط التي تنشط في ملف اختفاء المغتربين ورجال الأعمال.

الفرضية الأولى: حادث تقني في الجو

السلطات الأنغولية أعلنت في الساعات الأولى أن الطائرة ربما سقطت في البحر بسبب عطل. غير أن عمليات البحث لم تُسفر عن أي دليل مادي، ولم يُرصد أي أثر للوقود أو الحطام. غابت حتى الصناديق السوداء، ما جعل “التحطم” مجرد فرضية بدون جثة ولا أثر.

الفرضية الثانية: اختطاف مدبّر

تقول عائلة رشيد إن ما حدث لم يكن صدفة.

فبحسب شقيقته تسلم بنت المصطفى، تلقى تهديدات قبل أيام من الرحلة من شركاء أنغوليين نافذين رفضوا مغادرته السوق.

تضيف العائلة أن الطائرة غيّرت مسارها عمداً بعد دخولها المجال الجوي الأنغولي، وأن أجهزة التتبع أُغلقت يدويًا.

تلك المعطيات دفعتهم للاعتقاد بأن رشيد لا يزال حيًّا وأنه “أُخفي عن الأنظار” لحساب مصالح اقتصادية ضخمة.

الفرضية الثالثة: تصفية سياسية؟

في الأيام الأولى، اتهمت بعض الأصوات جهات إقليمية معادية لمواقفه السياسية أو لمشاريعه الإعلامية المرتقبة.

لكن هذه الروايات تلاشت سريعًا لغياب أي سند موثوق، إذ لم تُقدم أي جهة رسمية أو غير رسمية دليلاً على تورطٍ سياسي مباشر.

حتى عائلته نفسها استبعدت لاحقًا هذا السيناريو، وركّزت على الدافع الاقتصادي أكثر من الدافع السياسي.

تحقيقات باردة وملف لا يُغلق

لم تُعلن أنغولا رسميًا العثور على الطائرة أو بقاياها. موريتانيا فتحت قنوات دبلوماسية لكنها لم تصدر تقريرًا رسميًا.

مرّت السنوات، ووالد رشيد توفي وهو ينتظر الخبر، فيما تواصل العائلة تأكيدها أنه “على قيد الحياة في مكان ما بإفريقيا”.

لغز لا يموت

خمسة عشر عامًا بعد الرحلة المفقودة، ما زال اختفاء رشيد ولد المصطفى واحدًا من أكثر الألغاز غموضًا في القارة.

لا دليل على وفاته، ولا علامة على حياته.

فقط سؤال يتردد منذ 2010:

“كيف تختفي طائرة ورجل في سماء إفريقيا… دون أن يراهما أحد؟”

 

صالون نواكشوط