إلى المدير الجديد لقناة الموريتانية..
أعلم أنك عُيِّنت على إدارة مؤسسة إعلامية لا يشاهدها أحد، مؤسسة فقدت هيبتها منذ زمن بعيد.
لا هوية لها، ولا شخصية، هي منفصلة عن الواقع، ولا تقدم أي خدمة يُحسَن السكوت عليها، لا للمشاهد ولا للدولة، باستثناء “إعالة” عمالها.
أعلم أنك تولّيت مؤسسة لا تظهر في خيارات المشاهد الموريتاني؛ فلا هي تقدّم الجديد، ولا تعيد صياغة الماضي، ولا تراعي الجودة، وتنظر إلى الواقع بعينٍ محولة.
قد غرّها جريُها في القفرِ منفردةً خلال العقود الماضية، فقد كانت الخيار الوحيد المتاح.
لكن الواقع تغيّر، وازدحم المكان، وأصبح هناك طابور طويل، هي اليوم في الفقرة الأخيرة من ذيله، بينما القائمون عليها ما زالوا مقتنعين أنها في المقدمة.
دعك من منافسة القنوات المحلية، فذلك أمر مقدور عليه إن توفرت الرغبة والجدية، لكن الحقيقة أنك لا تنافس محليًا فحسب.
أعلم أن عقلية المشاهد تغيّرت، بل تغيّر المشاهد نفسه.
فالطفل الذي كان يشاهد “كلمات وأنغام” أو “قضايا وآراء” أو “مع المغتربين” أو تقارير “طبقا للتوجيهات السامية” و “الطاولة المستديرة”و “موريتانيا جنة خضراء”، هو اليوم رجل ناضج — بل تجاوزه الزمن — ولا يستهويه مثل ذلك الإنتاج ولا ذلك الأسلوب.
يعتبره نوعًا من النوستالجيا، يذكّره بأيام صباه، ومشاعره الدافئة وذكرياته الجميلة.
نحن في عالمٍ مليءٍ بالخيارات، والمشاهد يبحث عن “منتَج” يرضيه، والتلفزة لا تقدمه، والمصيبة أنها غير مقتنعة أو غير متفطنة لذلك.
اليوم، لم تعد المنافسة بين القنوات التلفزيونية فحسب، بل أصبحت مع منصات أوسع وأذكى وأكثر جاذبية:
منصات التواصل الاجتماعي، والبودكاست، وصنّاع المحتوى، الذين يخاطبون المشاهد بلغته واهتماماته وبأسلوبه.
ذوق المتلقي تغيّر؛ لم يعد يبحث عن خطاب رسمي متكلّف، بل عن محتوى صادق، سريع، بصريّ، وذو معنى.
ومن لا يدرك أن شاشة الهاتف صارت “التلفزيون الجديد”، سيبقى خارج دائرة التأثير، مهما علا صوته أو اتسعت شاشته.
وأعلم أن فيها قومًا جبارين…
من صفحة المدون/ Ahmed Hassen


