تابعتُ مقطعا من مداخلة رئيس الجمهورية في زيارته الحالية لولاية الحوض الشرقي ، تحدّث فيه عن "خطر "استخدام القبيلة" في استخدامات منافية لمفهوم الدولة" على حاضر ومستقبل البلاد ، وأعلن أن ذلك "لم يعد مقبولا".
وأوّل سؤال دار بخلدي هو : هل سيُقيل رئيس الجمهورية حكومته ومعظم سفرائه ومستشاريه ؟ ذلك أن كثيرا من الوزاراء والأمناء العامين للوزارات والمدراء المركزيين والمستشاريين في الرئاسة والوزارة الأولى والسفراء في الخارج شيوخ قبائل أو أبناء شيوخ قبائل وعشائر أو من أصهارهم و من يمثلهم في المناصب ! وهم -جميعا- يتمتّعون بنصيب الأسد من الوظائف الهامة -حتى ولو لم تكن لبعضهم شهادات أو خبرة تخوّلهم ذلك- وهم -بذلك- يستحوذون على حقوق حملة الشهادات و"التكنوقراط" و"البيروقراطية الإدارية" التي تسيّر الشؤون العامة بمرتّبات بسيطة وبامتيازات زهيدة -في مقابل ما يحصل عليه هؤلاء من رواتب وامتيازات!!
ويلاحظ المراقبون -في عهد الرئيس الحالي - تكاثر المبادرات والاجتماعات القبلية في مقرّات قريبة من مكاتب الولايات والمقاطعات ، في مشهد طغت فيه القبيلة -أحيانا- على الدولة -دون إنكار من الإدارة الإقليمية أو الحكومة المركزية التي تستخدم القبيلة لتثبيت حكمها وسلطتها في مقابل توفير بعض المناصب والمنافع لقادة هذه القبائل والعشائر مِن باب "ربنا استمتع بعضنا ببعض"!
إن كثيرا من قادة مستقبلي الرئيس في زيارته الحالية لولاية الحوض الشرقي هم من قادة القبائل والعشائر، وكذلك الأمر بالنسبة لزيارته الأخيرة لولاية اترارزه وقبلها زيارته لولاية لعصابه!
حين يُعلن رئيس الجمهورية أن "استخدام القبيلة (…) في استخدامات منافية لمفهوم الدولة مضرّة بحاضر و مستقبل هذا الوطن". و يُعلن أنها "لم تعد مقبولة نهائيا" فإما أنه يسعى إلى تغيير جذري في طريقة الحكم و "المحكوم به" و سيواجه تحديات كثيرة في كل قرية و بلدية و مقاطعة و ولاية ، و قد يحتاج إلى تقوية سلطته بالإعتماد على المعارضة، ، و إما أنه لا يسعى إلى "مأمورية ثالثة" أو "توريث السلطة" لبعض المقرّبين منه ممّن "سيواصلون النهج" و إكمال الإنجازات التي لم تتحقق بعد! و إذا لم يكن أحد الأمرين مقصودا ، فمعناه أن الأمر مِن قبيل خطاب "الحملات السياسية" و لا تأثير له في الواقع، و الأيام القادمة -وحدها- ستثبت صحّة أحدِ هذه الاحتمالات !
خلاصة القول أن ما عبّر عنه رئيس الجمهورية من "سوء" استخدام القبيلة -و ذكَرَ معها الجهة و الشريحة- و التذكير بضررها على حاضر و مستقبل البلد أمر صحيح، و قد عبّر عنه كثيرون مرات عديدة ، و الالتزام بكونه لم يعد مقبولا -من الآن- أمر قد يرى فيه البعض تحوّلا في السياسة العامة للحكومة ، و هو ما يفتح باب الأمل أمام عدالة في تولية المناصب و الوظائف الحكومية و توزيع عادل للثروة بين كافة مكونات الوطن -دون أن تبقى دُولَة بين عشرات الأسر من قادة القبائل و الضباط و رجال الأعمال و أبنائهم و ما يحصل بينهم من مصاهرات و تحالفات سياسية و اجتماعية تستحوذ على خيرات البلد و مناصبه الهامة، و تُقصي من لا يسير في فلكها من أصحاب الشهادات و الكفاءات الوطنية التي دأبت كل الأنظمة التي تستخدم القبلية و "حزب الحاكم" على التضييق عليها و حرمانها من حقوقها و مصالحها.
و في الختام لا يمكننا إلا أن نكرر السؤال الذي يطرحه كل مواطن مغلوب على أمره ، محبّ لوطنه، باحث عن العدالة و المساواة ، و هو : هل تتحق العدالة للجميع في مقابل سيطرة القبيلة و تحالفاتها مع المال السياسي و الضباط الذين يحكمون و يحكم أسلافهم منذ قرابة خمسة عقود ؟ أم أن "الأصل بقاء ما كان على ما كان"؟!
بقلم : عبد القادر ولد الصيام


