ماذا خلف مقاطعة ترامب للرئيس ولد الغزواني؟ كما يراه الآخرون
واشنطن – خاص بنخبة موريتانيا
في مشهد نادر وموثّق بكاميرات الصحافة، قاطع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أثناء مداخلته في قمة مصغّرة جمعت خمسة رؤساء أفارقة في البيت الأبيض يوم 9 يوليو 2025، ما أثار موجة من التفاعل السياسي والإعلامي حول دلالات الحادثة، وأبعادها الخفية، والرسائل غير المعلنة خلفها.
لحظة المقاطعة: "من أنتم؟"
أثناء تقديمه مداخلة حول موقع موريتانيا الجيوسياسي، ودورها الإقليمي في مكافحة الإرهاب، فوجئ الغزواني بمقاطعة ترامب الذي قال بصيغة بدا فيها شيء من الاستعجال وربما الضيق:
> "Maybe we're gonna have to go a bit quicker than this, because we have a whole schedule… If I could just ask your name, and your country, would be great."
الترجمة: "ربما سيكون علينا أن نسرع قليلاً في هذا، لأن لدينا جدولاً كاملاً... إذا أمكنني فقط أن أطلب اسمكم وبلدكم، فسيكون ذلك رائعًا."
ترامب بدا وكأنه لا يعرف الغزواني، أو يتظاهر بذلك، متجاهلًا البروتوكول الدبلوماسي، ومُنهياً فعليًا مداخلة رئيس دولة شريكة في ملفات إقليمية حساسة.
رد الغزواني: برود دبلوماسي
الرئيس الغزواني، المعروف بهدوئه، اكتفى بذكر اسمه واسم موريتانيا، دون إظهار أي انزعاج علني. لكنه لم يُمنح الفرصة لاستكمال حديثه، حيث انتقل ترامب مباشرة إلى رئيس آخر.
هذا التصرّف فُسّر على أنه تجاهل غير مبرر، أو على الأقل إشارة إلى ترتيب أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة في التعامل مع القادة الأفارقة.
خلفيات القمة: هجرة، أمن، وتطبيع
ورغم أن الحادثة بدت بروتوكولية في ظاهرها، إلا أن خلفها ملفات سياسية شائكة، يجري تداولها في الكواليس، من أبرزها:
1. ملف الهجرة والمرحّلين
الإدارة الأمريكية دفعت في القمة باتجاه توقيع ما يشبه اتفاق "دولة ثالثة آمنة" مع الدول المشاركة.
المصادر الأمريكية كشفت عن طلب رسمي من موريتانيا باستقبال مرحّلين موريتانيين، وربما آخرين من جنسيات إفريقية تعذّر ترحيلهم إلى دولهم الأصلية.
موريتانيا لم تؤكد أو تنفِي رسميًا، لكن تم إدراجها ضمن قائمة أولية من 25 دولة إفريقية مرشحة لتشديد منح تأشيرات دخول أمريكا لمواطنيها، بسبب "ضعف التعاون في ملف الترحيل".
2. محادثات تطبيع مع إسرائيل
بحسب وول ستريت جورنال ومصادر مقربة من البيت الأبيض، جرت محادثات تمهيدية بين واشنطن ونواكشوط لإعادة العلاقات المقطوعة منذ 2010 بين موريتانيا وإسرائيل.
اللقاء جاء في إطار توسيع "اتفاقيات أبراهام"، ولم يُكشف عن نتيجة نهائية، لكن تقارير تتحدث عن تنسيق لعقد لقاء مباشر بين الغزواني ونتنياهو في مرحلة لاحقة.
كيف رأى الآخرون المشهد؟
الحادثة أثارت تفاعلًا واسعًا على المستويين الإعلامي والدبلوماسي:
صحف أمريكية مثل Politico وCNN وصفت أسلوب ترامب بـ"الفظ والارتجالي"، معتبرة أنه يعكس طريقة تعامل إدارته مع القارة الإفريقية كبعد أمني لا سياسي.
معلقون أفارقة اعتبروا ما حدث "إهانة غير مباشرة" للرئيس الغزواني، في مقابل منح وقت واهتمام أكبر لقادة دول أخرى
في المقابل، ذهب البعض إلى أن ترامب أراد إيصال رسالة مفادها أن من لا يقدم تنازلات حقيقية، لا يحظى بكامل وقت المنبر الأمريكي.
قراءة سياسية: تجاهل أم اختبار؟
المقاطعة، وفقًا لمحللين، قد لا تكون مجرد خطأ بروتوكولي، بل إشارة إلى:
عدم رضا أمريكي عن موقف موريتانيا في ملف الهجرة.
تحفيز ناعم للانخراط في مسار التطبيع.
أو ببساطة: ترتيب أمريكي جديد لأهمية الدول الإفريقية بناءً على التعاون الأمني والهجرة أكثر من التحالفات التقليدية.
الخلاصة
قاطع ترامب الغزواني، نعم. لكن الأهم من "المقاطعة" هو ما جرى – أو قد يجري – خلف الأبواب المغلقة: صفقة هجرة؟ تقارب مع إسرائيل؟ تخفيف تأشيرات؟ أو ربما إعادة تعريف العلاقة بين واشنطن ونواكشوط.
حادثة البروتوكول كشفت كثيرًا مما لم يعبر عنه في القاعة، لكنها فتحت الباب لتساؤلات كبرى عن موقع موريتانيا في خارطة التحالفات الجديدة، كما تراها واشنطن... وكما يراها الآخرون.