اتاحت لي اقامتي في صنعاء وعملي استاذا للعلوم السياسية في جامعة صنعاء بعيد انتهاء حرب الكويت عام ١٩٩١م فرصة نادرة للتعرف عن قرب على اليمن ارض الاجداد ومهد التاريخ العربي ورجال الفتوحات مثلما اتاحت لي ظروف عملي فرصة القرب من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وتوثقت علاقتي به اكثر حينما كانت ابنته الكبرى السيدة بلقيس طالبة عندي في الكلية وهي سيدة فاضلة ومثقفة كانت متزوجة من ابن عمها السيد يحيى محمد عبدالله صالح.
كان الرئيس صالح ذكيا ذكاءا فطريا الى درجة عالية استطاع من خلالها ان يحكم بلدا مترامي الاطراف وذي موقع جغرافي مهم وشعب محارب من اصعب الشعوب حباهم الله بذكاء متقد وارادة صلبة وقوة شكيمة، فاليمني لا يفارقه البندق او كما يسمونه الآلي اي ( بندقية الكلاشينكوف) ولا يتخلى عن خنجره المسمى (الجنبية )حتى خيل لي وعند رؤية كمية السلاح العجيب في هذا البلد بان الفرد اليمني لم يخلقه الله الا ليكن محاربا !!
اتذكر مرة وبصدق كنت انتظر صديقا في مقهى بشارع جمال بصنعاء وفي العادة يلتقي في هذا المقهى اعداد من المدرسين العراقيين والمهندسين وسواهم ممن ذهبوا الى اليمن بسبب ظروف الحصار.
حضر شيخا قبليا تبدوا عليه من مظهره الأبهة.
نادى بصوت جهوري كما هم اهل الجبال ، أين العراقيين ؟، انا ابحث عن مهندس عراقي براتب بالدولار وسكن وتذاكر سفر سنوية!!! . فرد عليه من كان حاضرا في المقهى، انا مهندس مدني حاضر للعمل، وقال اخر انا مهندس ميكانيك، لكنه اعترض لا لا انا لا اريد مهندس مدني ولا ميكانيك ولا كهرباء انا فقط ابحث عن مهندس صواريخ ارض ارض!!!
كان علي صالح على حق عندما قال لم يعرف حاكما اليمن كما عرفتها انا ،فهو كان يداري ويداهن احيانا ويقرب شيخا ويبعد ضابطا وهكذا كان يناور بين شخوص المجتمع النافذة من مشايخ وتجار وكبار الضباط او زعماء الاحزاب لكنه يعرف جيدا كيف يحافظ على المسافات واحيانا مثلما يذكر الشيخ سنان ابو لحوم رحمه الله عنه انه يعرف متى يلسع!!
د. كريم فرمان


