"استمعتُ إلى محاضرة الأستاذ الدكتور المحجوب بن اسلمو بن بيه حول «الاعتقاد والعلم والمعقولية»، التي قدم.بجامعة السوربون، فاستوقفني ردّه الواضح المُبين على سؤال أحد الحاضرين بخصوص الفرق بين مفهوم العائلة الإبراهيمية من جهة، وعبارة الديانة الإبراهيمية من جهة أخرى؛ وهو فرقٌ جوهريٌّ كثيرًا ما يُطمس، إمّا جهلًا أو خلطًا متعمدًا.
وقد أوضح المحاضر، بدقة علمية ومسؤولية فكرية، أن مفهوم العائلة الإبراهيمية لا يراد به دمج العقائد، ولا تذويب الخصوصيات الدينية، ولا اختراع دينٍ جديد، وإنما هو إطار حضاري وأخلاقي للتعارف والحوار والتعايش السلمي بين أتباع الديانات السماوية، انطلاقًا من المشترك الإنساني والقيمي، مع الإقرار الصريح والواعي باختلاف العقائد والشرائع.
أما عبارة الديانة الإبراهيمية، فقد شدّد بوضوح على أنها لا وجود لها أصلًا في التراث الديني، ولا قال بها هو، وإنما هي تعبير مُفتعل نحتته دعاية مغرضة، يُراد بها خلط المفاهيم، وفتح أبواب الشبهة والتكفير، بدل ترسيخ الفهم الرشيد للاختلاف.
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم العائلة الإبراهيمية ليس وليد نقاش أكاديمي معزول، بل جرى تداوله في أكثر من سياق سياسي وفكري، خاصة ضمن مقاربات تسعى إلى الإسهام في حل أزمات الشرق الأوسط، وقد أشار إليه غيرُ واحد من قادة الدول الإسلامية، مع التأكيد جميعًا على أن تاريخ الإسلام نفسه زاخر بنماذج راسخة للتعايش السلمي بين الديانات؛ من عهد المدينة المنورة، إلى الدولة العباسية، والأندلس، وصولًا إلى تجارب قريبة في المغرب العربي الإسلامي، حيث عاش المسلمون مع غيرهم في ظل نظم ضامنة للحقوق، قائمة على العدل والاعتراف بالاختلاف.
غير أن الأخطر في هذا السياق هو التمادي في خلطٍ متعمدٍ للمفاهيم، ونشر دعاية تكفيرية بين العامة، تستهدف علماء أجلاء من مقام العلامة الشيخ عبد الله بن بيه. فمثل هذه الحملات لا تقوم على علم، ولا على نزاهة فكرية، بل على توظيف مغرض للالتباس وتشويه للمواقف، بما يضر بالدين والعقل معًا
شخصيًا، حضرتُ أكثر من مرة مؤتمر السلم في إفريقيا، ولم أرَ فيه ما يمكن أن يفسر هذه الحملات الغريبة، لا مضمونًا ولا توجهًا. بل على العكس، كان المؤتمر في كل مرة موعدًا علميًا وفكريًا رصينًا، ومحفلًا دبلوماسيًا مشرّفًا لموريتانيا، جمع بين عمق المرجعية الشرعية، وحكمة الخطاب، ورصانة الحضور الدولي، وأسهم في تقديم صورة متزنة عن الإسلام، منفتحة على العالم دون تفريط في الثوابت.
إن الخلط بين العائلة الإبراهيمية والديانة الإبراهيمية ليس بريئًا؛ فالأولى مفهوم حواري حضاري، يعترف بالاختلاف ويسعى إلى تنظيمه أخلاقيًا وإنسانيًا، أما الثانية فادعاء إلغائي لا يقول به علم ولا نقل، ويُستخدم أداةً للتشويش والتكفير.
حاصله أعتقد ان أستهداف العلماء بهذه الأساليب لا يخدم الدين ولا القضايا العادلة ، بل يسيء إلى صورة الإسلام، ويقوّض الجهود الصادقة الرامية إلى ترسيخ السلم، ويُضعف الثقة في الخطاب الديني الرشيد الذي تحتاجه مجتمعاتنا اليوم أكثر من أي وقت مضى...
عبد القادر ولد محمد"


